لم تكتفِ أوروبا بإجراء سباق انتخابي كبير واحد، بل تم إجراء سباق آخر في اليوم نفسه. وقد وُصِفت انتخابات فرنسا واليونان بأنهما "ينطويان على المخاطر"، حيث تسبب فوز هولاند على الرئيس الحالي ساركوزي بتقلُّب الأسواق نتيجة الخشية على التعاون بين فرنسا وألمانيا، الدولتين الأكثر سيطرة على العملة. ومن ناحية أخرى، أدى تلقي الأحزاب المؤيدة لخطة الإنقاذ في اليونان هزيمة قاسية إلى ازدياد المخاوف من اضطرار اليونان لمغادرة منطقة اليورو.
كانت ردة الفعل الفورية في السوق، هي الاحتياط للمخاطر، وذلك ليس مفاجئاً. فقد شهدت سوق الأسهم اليونانية حركة مبيع هائلة، والأسواق مشهورة بخشيتها من تقلب الأسعار استجابة للأحداث السياسية. إذن، ما الذي يتوجب علينا معرفته عن الأوضاع في فرنسا واليونان وما هو تأثير تلك الأوضاع على الأسواق في المدى القريب؟
بنى فرانسوا هولاند حملته الانتخابية على وعد بإعادة صياغة الميثاق المالي لمنطقة اليورو، فهو يريد إبطاء تطبيق التقشف، ومحاولة تعزيز النمو الاقتصادي كطريقة لتقليص مستويات الديون، مما يضعه على الطريق المعاكس لطريق أنجيلا ميركل. ولكن قد لا يكون الحال بالسوء الذي توقعه بعض محللي السوق. ولحسن حظ هولاند، تدهور النمو إلى حد بات معه كبار الرأسماليين العاملين في الأسواق المالية يرون أن ميركل تبالغ في خططها للتقشف. وإذا استطاع هولاند أن يخفف من حدة ميركل في ما يتعلق بتقريب الموازنات الوطنية للدول بسرعة قصوى، يمكن أن تهلل له الأسواق بوصفه يساعد في الاستقرار. ولكن، على من يظن أن هولاند سيتحدى ميركل أن يعيد التفكير في الأمر. فانتصار هولاند في الانتخابات يُذكّر بانتصار أوباما بشكل ما، الذي كان لانتصاره أثر كبير، ولكن تمت إعاقته بالديون الضخمة ومعدلات البطالة.
هل سينخفض سعر اليورو أمام الدولار إلى ما دون 1.30؟ هذا هو السؤال الأساسي اليوم بالنسبة لتجار العملات. ويبدو وضع اليورو صعباً. ولئن كانت المبالغات تحيط بخلاف هولاند وميركل، فإن المشكلة الحقيقية هي اليونان، حيث أعلن زعيم حزب الديمقراطية الجديدة عن فشله في تشكيل حكومة ائتلافية، فتم تكليف تسيبارز، زعيم حزب سيريزيا اليساري الراديكالي، بتشكيل الحكومة. ويبدو أنه يريد إجراء انتخابات جديدة في محاولة للفوز برئاسة الوزراء في يونيو. ولكن، قد تتزامن الانتخابات مع إفلاس اليونان، مما سيجعل تلك الانتخابات أكثر مخاطرة من الانتخابات السابقة.
من جهة أخرى، لماذا انهار اليورو كل هذا الانهيار؟ عام 2010، أدى مجرد ذكر خطة الإنقاذ إلى هبوط سعر اليورو مقابل الدولار إلى ما دون 1.20 دفعة واحدة، فلماذا المرونة الآن؟ هناك عدد من الإجابات المحتملة. الجواب الأول هو ما أشار إليه بعض المراقبين من أن الأحزاب المعارضة للتقشف ليست معارضة للعضوية في منطقة اليورو. وبالتالي، ليس من المؤكد أن مأزق الانتخابات في أثينا سيؤدي إلى انسحاب اليونان من منطقة اليورو. بل لعل الأقرب إلى الاحتمال هو أن يقوم الاتحاد الأوروبي بطرد اليونان من وحدة العملة، وقد لمح بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إلى أن قرار البقاء في منطقة اليورو يعود إلى اليونان. ومن المحتمل أن يكون الاتحاد أكثر استقراراً إذا خرجت منه اليونان، مما لو بقيت فيه عضواً.
وسوف يكون الشهر القادم شديد الأهمية لمنطقة اليورو، فمن المحتمل أن يزيد عدم الوضوح من أصول المخاطرة وأن يؤثر على اليورو نفسه. وخلال الأسابيع الأربعة القادمة، يتوجب علينا أن نعرف من سيتحكم باليونان، وما إذا كانت الدولة ستفلس أم ستلتزم بشروط خطة الإنقاذ، ومدى اتفاق هولاند وميركل. إذ ترتبط مستويات مخاطرة عالية في السوق بكل هذه الأحداث السياسية، والتي نقدِّر أنها ستضر باليورو. ولكن، وبسبب تبادل اليورو ضمن نطاق ضيق منذ بداية هذا العام، لا نتوقع أن نرى انخفاضاً حاداً في سعر اليورو، بل نقدر أنه سينخفض بالتدريج. وقد تلقى اليورو دعماً كبيراً عندما وصل إلى ما تحت خط 1.30 في 16 يناير من هذا العام حيث بلغ سعره مقابل الدولار 1.2670. لذا، سيتمثل الحدث الهام في انخفاض سعر صرف اليورو مقابل الدولار إلى ما دون 1.30 بسبب الانتخابات اليونانية والفرنسية، وربما يكون نقطة تحول جذرية بالنسبة لسعر صرف اليورو أمام الدولار.
|